قامت القيامة ولم تهدأ. اطلق الوزير السابق ميشال سماحة في مشهد استفزّ اكثر من فريق سياسي، تماما كالتصريح المقتضب الذي ادلى به. كما لو ان كل المحرّمات سقطت وكل الموازين ضربت. بتنا في لبنان "العصفورية"، والمفارقة ان البلد لا يزال يسير.
وبمعزل عن قضية سماحة، عاد مطلب قديم – جديد الى الواجهة: "الغاء المحكمة العسكرية". باختصار، فان البعض يعتبرها من مخلّفات النظام الامني السوري، على الرغم من ان انشاءها يعود الى ما قبل ذلك بكثير. الا ان اساليب القمع والترهيب التي كانت سائدة ابان فترة الاحتلال السوري في لبنان، كاد ان يختصر عمل هذه المحكمة ومنهجيتها.
والسؤال ما هي الالية لالغاء هذه المحكمة. وزير العدل اشرف ريفي نعاها مرتين، حتى الان. وبدا واضحا انه يرفع لواء الغاء هذه المحكمة، وسط المعلومات التي تفيد انه بصدد التحضير لدراسة قانونية او لمشروع قانون يطالب بالغاء المحاكم الاستثنائية، ومن ضمنها المحكمة العسكرية.
في المبدأ، تكفي الاشارة الى ان تاريخ القضاء العسكري في لبنان يعود الى القوانين التي وضعتها الإمبراطورية العثمانية، لندرك اهمية حجم التغيير الذي نحتاج اليه اليوم. فهذه المحكمة عمرها من عمر قانون العقوبات العسكري وقوانين انشاء محاكم عسكرية خاصة والتي حددت بعض صلاحيات المجالس الحربية للنظر في الجنح والجنايات العادية.
ولاحقا، ومع الانتداب الفرنسي، ألغيت هذه القوانين وأُنشئت محاكم عسكرية. اما بعد الاستقلال، فصدر القانون في 12 تشرين الأول 1945 الذي قضى بإنشاء محكمة عسكرية، وحدّد اختصاص هذه المحكمة بالجرائم المنصوص عنها في قانون العقوبات العسكرية العثماني (الذي كان ساريًا عندها) أو التي تدخل في صلاحية المحكمة بموجب نص خاص، وبالجرائم العادية ايضا، إذا كان المدعى عليه أو المجني عليه منتسبًا الى ملاك الجيش أو إذا كانت الجريمة تمس بسلامة الجيش أو مصالحه.
من هنا، فان تاريخ انشاء المحكمة يكفي لوحده بالاصرار على الغائها، او على الاقل حصر مهمتها، فهل من آلية قانونية ينبغي اعتمادها في هذا الاتجاه؟
يجيب النائب السابق صلاح حنين لـ"النهار" بالعودة الى طريقة انشاء هذه المحكمة، فيقول انها انشئت بموجب قانون، وبالتالي فان الغاءها ينبغي ان يتم في هذا الاتجاه.
ويشرح: " قد تكون الطريقة اما باقتراح قانون مقدم من النواب، واما بمشروع قانون تحيله الحكومة على المجلس لاقراره".
ويذكر ان هذا المطلب حكي فيه كثيرا منذ عام 2000، وطالب به حنين مرارا اثناء توليه مهماته النيابية، لكنه لم يصل مرة الى مرحلة تقديم اقتراح قانون. يعلّق: " ربما الظروف لم تكن مناسبة يومها. ووجهنا بممانعة قوية، ربما بسبب النظام الامني السوري الذي كان سائدا. حصلت يومها، العديد من النقاشات، لكن اقتراح القانون لم يبصر النور".
واذ يعتبر حنين ان " المحكمة العسكرية هي من مخلفات النظام الامني"، يقارب الموضوع بمعزل عن قضية سماحة، ليقول: "الديموقراطية لا تحتم وجود محكمة عسكرية، وما ينبغي ان يحصل اليوم ليس الغاءها، انما حصر مهماتها بالشأن العسكري فقط. مثلا اذا حصل اشكال بين عسكري ومدني، خارج الخدمة العسكرية، لا يجوز ان يحال الاشكال على محكمة عسكرية، انما على القضاء المدني، لان الاشكال وقع في هذه الحالة بين مواطنين. لذلك، واحتراما للعدالة لا يجوز اعتماد المحاكم العسكرية، التي تبقى فقط محصورة بين عسكريين، وخلال تأدية واجبهم العسكري فقط، وما عدا ذلك، يعتبر طغيان فئة على اخرى واختلال في معايير العدالة".
واذا كانت الظروف السياسية منعت الغاء المحكمة سابقا، فهل تبدّل المناخ اليوم، ام اننا لا نزال بالفعل نعيش مخلّفات هذا النظام؟
نبض